مشاريع البنى التحتية في ضوء جائحة كورونا

Huda Almadhoob

Nov, 6th 2020

Author: Dr. Huda Almadhoob

 
 

تعد مشاريع البنية التحتية العملاقة – تلك التي تكلف مليار دولار أو أكثر – ضرورية لمستقبل المدن وعناصر حيوية لجودة الحياة العامة تكمن المشكلة في أن هذه المشاريع غالبًا ما تخرج عن المسار، سواء فيما يتعلق بالميزانية أو الوقت – أو كليهما.

التأخير في المشاريع الإنشائية أو تجاوزها للميزانية المرصودة لها أصبح ظاهرة تأخذ حيزاً كبيراً من الاهتمام. العديد من الدراسات تعتبره مصدر نزيف للأموال العامة وبالخصوص في الدول النامية. ففي إحدى الدراسات المؤثرة في مجال ادارة المشاريع، قدر فليفبيرج، الخبير في إدارة المشاريع في كلية إدارة الأعمال بجامعة أكسفورد ، أن تسعة من كل عشرة مشاريع تتجاوز الميزانية المرسومة لها وبفارق كبير – على سبيل المثال مشاريع السكك الحديدية تتجاوز الميزانية بمتوسط 44.7 في المائة.

على الرغم من ان آثار جائحة فيروس كورونا اجتاحت العالم و أدت إلى شل العديد من القطاعات ، كان قطاع البناء والانشاءات واحد من القطاعات القليلة الأقل تأثراً وتم الحفاظ على مستويات الانتاجية إلى حد ما، خصوصاً وانه لم يكن هناك إغلاق كامل في العديد من البلدان، وبالتالي ، كانت الشركات مستعدة لمواصلة تنفيذ عقودها. ففي مملكة البحرين على سبيل المثال، كانت حزمة التدابير التي اتخذتها الحكومة وبفضل الإجراءات الاحترازية التي اعتمدتها الكثير من الشركات أثر على استمرارية العمل في المشاريع بذات الوتيرة السابقة.

ومع ذلك ، فقد تأخرت العديد من المشاريع العملاقة حول العالم حيث تعطلت سلاسل التوريد بسبب نقص المعدات والمواد. كما أن بعض الهيئات والإدارات العامة باشرت في إنهاء العقود للتقليل في النفقات. إن دراسة هذه الظاهرة كفيلة بالاهتمام نظراً للتبعات المالية و الاقتصادية التي تفرضها هذه الظاهرة على البلدان بصورة عامة و على المناخ الاقتصادي للمشاريع الإنشائية بصورة خاصة، هذا فضلاً عن التأثيرات السلبية الغير مباشرة على أقطاب العملية الإنشائية المختلفة.

نستعرض في هذا المقال أربعة مشاريع عملاقة من حول العالم واجهت تحديات اضافية بسبب جائحة كورونا :   

المملكة المتحدة – Crossrail

أكبر مشروع للبنية التحتية في أوروبا ، وهو خط السكك الحديدية الجديد الذي يمتد عبر لندن والمقاطعات الرئيسية ،مع المحور المركزي لخط إليزابيث الذي يبلغ طوله 73 ميلاً (118 كيلومترًا). تمت تسمية هذا المشروع تيمناً باسم الملكة إليزابيث الثانية. كان من المقرر افتتاح هذا المشروع في أغسطس عام 2018. لكن الأمور لم تسير كما هو مخطط لها. المشروع  يضم بناء 26 ميلاً (42 كيلومترًا) من الأنفاق الجديدة ، و 31 ميلاً (50 كيلومترًا) من مسار السكة الحديدية و 10 محطات جديدة. ومع ذلك ، فإن النواة المركزية لخط إليزابيث ، الذي كان من المقرر افتتاحه في التاريخ المعدل لخريف 2019 م، قد تأخر مرة أخرى حتى عام 2021 بسبب مشكلات فنية. فقد أثرت جائحة كورونا على الجدول الزمني ، حيث توقف البناء في 24 مارس عندما تم الإعلان عن الإغلاق العام في المملكة المتحدة. تمت إعادة تشغيل المشروع الضخم في نهاية مايو ، وتقوم Crossrail حاليًا بتعديل الجدول الزمني للمشروع والذي لم يتم الإعلان عنه بعد. لم تعلن الحكومة البريطانية بعد عن التأثير النقدي الذي تسببه الوباء على المشروع، لكن قبل الأزمة ، تجاوزت ميزانية Crossrail الأصلية بمقدار 4.3 مليار دولار.

مطار براندنبورغ ويلي برانت – برلين

بدأ التخطيط لمطار جديد لبرلين في عام 1989 ، لكن لم تتم الموافقة على المشروع حتى عام 2006م. كان من المفترض أن يكلف المشروع 2.3 مليار دولار، وكان من المفترض أن يتم افتتاح المطار في أكتوبر 2011م. مع ذلك ، في صيف 2010 ، تم تأجيل تاريخ الافتتاح إلى عام 2012م ، ولكن لم يتم الإنتهاء منه في هذا التاريخ رغم إعادة جدولة الفترة الزمنية. مشروع كتالوج أصبح مصدر إحراج وتندر للألمان المعروفين بالبراعة في الهندسة والتصميم. الأخطاء الهندسية والتقنية فيه لا حد لها، فمن السلالم المتحركة ذات الحجم غير الصحيح إلى النقص الحاد في مكاتب خدمة الواصلين. كلها أدت إلى تأخير المشروع لوقت أكثر ، وزيادة الميزانية إلى 7.8 مليار دولار ، مما يجعله أحد أغلى المطارات في العالم. بعد 14 عامًا من البناء تم افتتاح المشروع الشهر الفائت في 31 أكتوبر 2020 ،ولكن مع استمرار جائحة كورونا فمن المتوقع أن يكون عدد المسافرين عبر المطار قليلاً جدًا!

مفاعل فلامانفيل 3 النووي – فرنسا

بدأت الحكومة الفرنسية في بناء مفاعل جديد في محطة فلامانفيل للطاقة النووية في شمال البلاد في ديسمبر 2007م. وقد خصصت ميزانية قدرها 3.3 مليار يورو للمشروع وبخطة زمنية لاستكماله في 54 شهرًا فقط. خلال عملية البناء تم تشخيص عدداً كبيراً من المشاكل المتعلقة بالسلامة و المعدات والتي أدت إلى تأخير المشروع بشكل كبير وإضافة المليارات إلى التكاليف. وعليه تم تأجيل تحميل الوقود في المفاعل حتى نهاية عام 2022م ، ولكن في 27 مارس 2020 م تزامناً مع جائحة كورونا، نشرت الحكومة الفرنسية مرسومًا جديدًا ادى الى تأجيل تحميل الوقود الى أبريل 2024م. من المتوقع أن يؤدي اذا التأخير إلى انتكاسة مالية .لشركة الطاقة الفرنسية بقيمة 12.4 مليار يورو.

سكة حديد كاليفورنيا عالية السرعة – الولايات المتحدة الأمريكية

منذ أوائل الثمانينيات ، كانت كاليفورنيا تخطط لربط ثمانية من أكبر مدن الولاية ، من سان فرانسيسكو إلى سان دييغو ، عبر خط قطار فائق السرعة. في استفتاء عام 2008م ، وافق الناخبون على ميزانية قدرها 9.95 مليار دولار لبدء بناء خط سكة حديد بطول 800 ميل ، وقدرت التكلفة الإجمالية بـ 33 مليار دولار. ومع ذلك ، فقد تأخر المشروع الضخم منذ البداية بسبب الاحتجاجات والدعاوى القضائية وإعادة التخطيط. بعد ثلاث سنوات من التأخير بدأ العمل في المشروع عام 2015م. في يونيو 2018م ، أصدرت هيئة السكك الحديدية خطة عمل جديدة ، مما أدى إلى تأخير موعد الانتهاء بمقدار 13 عامًا من 2020 إلى 2033 م، مع أخذ تضخم الميزانية بعين الاعتبار. في مايو 2019م ، ألغت إدارة ترامب منحة بقيمة مليار دولار تقريبًا لتمويل المشروع، وفي الآونة الأخيرة دفعت جائحة كورونا الى تأخير المشروع ومطالبة القائمين عليه بالتركيز فقط على الامتداد المركزي لسكة الحديد والتي تجاوزت حاليا الميزانية ب  44 مليار دولار.

إن صناعة البناء، التي لطالما انتقدت بسبب التخلف عن الركب من حيث الرقمنة ، بدأت في اكتساب الزخم للسعي نحو تبني سياسات ذات بُعد ابتكاري جديد نتيجة التحديات التي فرضتها الجائحة. على الرغم من ذلك، لا يزال هنالك الكثير من العمل المطلوب للوصول إلى المستوى المرجو في الأداء.

لاتزال العديد من الشركات –  حتى الجريئة منها – في “المرحلة التجريبية” ولم تحقق أي ميزة تنافسية كبيرة. بعض الشركات غير قادرة على إطلاق برامج تحسين الإنتاجية على نطاق واسع إذ تراوح مكانها في الكفاح من أجل إنشاء القدرات التنظيمية، أو تطوير مخطط لجمع البيانات، تحليلها ، وإدارة استخدامها لتحسين الانتاجية. مستقبل صناعة البناء زاخر بالعديد من التقنيات الجديدة ولكن المفارقة أن مصدر الإبتكار هو الشركات الناشئة التي تسعى إلى تطوير تقنيات جديدة  مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد ، الواقع المعزز والافتراضي ، التعلم الآلي لنمذجة معلومات المباني وغيرها.

فهل  آن الأوان لكسر قالب الأساليب التقليدية في بناء وادارة مشاريع البنية التحتية ؟!

*projects’ information in this article is sourced from lovemoney.com